منتديات جزيرة كولب الخلابة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نحن عنوان التعاون


    كتاب كَتَبَ لي أماناً من الدَّهر، وهنَّاني في أيام العمر.

    avatar
    سمل الولياب


    المساهمات : 141
    تاريخ التسجيل : 23/01/2010

    كتاب كَتَبَ لي أماناً من الدَّهر، وهنَّاني في أيام العمر.  Empty كتاب كَتَبَ لي أماناً من الدَّهر، وهنَّاني في أيام العمر.

    مُساهمة  سمل الولياب الثلاثاء مايو 08, 2012 3:20 pm

    تابع " الكتاب"
    كتاب كَتَبَ لي أماناً من الدَّهر، وهنَّاني في أيام العمر.
    كتاب أوجب من الاعتداد فوق الأعداد، وأودع بياض الوداد سواد الفؤاد.
    كتاب النظر فيه نعيم مقيم، والظفرُ به فتح عظيم.
    كتاب ارتحت لعيانه، واهتززت لعُنوانه.
    كتاب هو من الكتب المَيَامين، التي تأْتي من قبل اليمين.
    كتاب عددته من حجول العُمرِ وغُرَره، واعتَدَدته من فُرَص العيش وغُرَره.
    كتابٌ هو أنفس طالع، وأكرم متطلع، وأحْسن واقع، وأجلُّ متوقع.
    كتابٌ لو قُرئ على الحجارةِ لانْفجرَت، أو على الكواكب لانتثَرت.
    كتاب كِدتُ أُبْليه طيًّاً ونشراً، وقبّلتهُ ألفاً، ويَدَ حامله عشراً.
    كتاب نسيتُ لحسنه الرَوْضَ والزّهر؛ وغفرتُ للزمان ما تقدّم من ذنبه وما تأخر.
    كتابٌ أمْلَيْته هِزّة المجدِ على بنانكَ، ونطقَ به لسانُ الفَضلِ عن لسانك. أنا ألتقطُ من كلِّ حَرفٍ تُديرُه أنامُلك تُحفة، وآخُذ من كل سطرٍ تتجشَّمُ تخطيطَه نزهة. إذا قرأت من خطك حَرْفاً، وجدتُ على قلبي خِفًّاً، وإذا تأمّلت من كلامك لفظاً، ازددت من أُنْسي حظاً.
    كتاب كتبَ لي أماناً من الزمان، وتوقيعٌ وقعَ مِنِّي مَوْقِعَ الماء من العطشان.
    كتاب هو تَعِلَّةُ المسافر، وأُنْسَةُ المستوحش، وزبدة الوصال، وعُقْلة المستوفز.
    كتاب هو رُقية القلب السليم، وغرة العيش البهيم،
    كتاب هو سَمَرٌ بلا سَهَر، وصَفْوٌ بلا كدَر.
    كتاب تمتَّعت منه بالنعيم الأبيض، والعيش الأخضر، واستلمته استلام الحجر الأسود، ووكلتُ طرفي من سُطُورِهِ بوشْي مُهلَّل، وتاج مُكَلَّل، وأَوْدَعْتُ سمعي من محاسنه من أنساني سماعَ الأغاني من مطربات الغواني. نشأت سَحَابة من لفظك، غَيْمُها نِعمةٌ سابغَة، وغيْثها حِكْمَةٌ بالغهٌ، سقَتْ رَوْضة القلب، وقد أجهدتها يَدُ الْجَدْبِ؛ فاهتزت وَرَبَتْ، واكتست ما اكتسَبَتْ.
    كتابٌ حسبته ساقطاً إليّ من السماء، اهتزازاً لمطلعه، وابتهاجاً بحسْنِ موقعه، تناولتُه كما يُتناول الكتابُ المرقومُ، وفضضْتُهُ كما يَفضُ الرَّحيق المختوم.
    كتاب كالمشتري شَرُفَ به المسير، وقميص يوسفَ جاء به البشير.
    كتاب هو من الحسن، رَوضة حَزن، بل جَنةُ عَدْنٍ، وفي شرح النفس وبَسْطِ الأنس برد الأكباد والقلوب، وقميص يوسف في أجفان يعقوب. قد أهديت إليّ محاسنَ الدنيا مجموعةً في ورقه، ومباهج الحلى والحلل محصورة في طبقه.
    كتابّ ألصقْتُه بالقَلْبِ والكبد، وشممته شمَّ الولد. ورَدَ منك المسْكُ ذكياً، والزهرُ جَنِيًّاً، والماء مريّاً، والعيش هنيًّاً، والسحر بابليًّاً.
    كتاب مَطلعهُ أهِلّة الأعياد، وموقعه موقع نَيْل المراد.
    كتاب وجدته قصيرَ العمر، كليالي الوصال بعد الهجْر، لم أبدأ به حتى استكمل، وقارَبَ الآَخِر منه الأوّل. كتاب منتقض الأطراف، منقطع الأكتاف، أبتَرُ الجوارح، مضطرب الجوانح، كتاب كأنه توقيع متحرَز، أو تعريض مُتبرز. كاد يلتقي طَرَفاهُ، ويتقارب مُفْتتحه ومُنتهاهُ.
    كتاب التقَتْ طرفاه صِغَراً، واجتمعت حاشيتاه قِصراً. ما أظنني ابتدأْتُهُ حتى ختمته، ولا استفتحته حتى أتممته، ولا لمحته حتى استوفيته، ولا نشرته حتى طويته، وأحسبنْي لو لم أجوّد ضبطه، ولم أُلْزم يَديَّ حفظَهُ، لطار حتى يختلط بالجوّ، فلا أَرَى منه إلاَّ هباءً منثوراً، وهواءً منشوراً.
    كتاب حسبته يطيرُ من يدي لخفّته، ويلطف عن حِسّي لقلّته، وعجبتُ كيف لم تحمله الرياحُ قبل وصوله إليّ، وكيف لم يختلط بالهواء عند وصوله لديّ.
    كتاب قصَّ الاقتصارُ أجنحته، فلم يَدَع له قوادم وَلا خوَافِي، وأخذ الاختصار جثِّته، فلم يبق ألفاظاً ولا معاني. طلعَ كتابُكَ كإيماء بطَرْفٍ، أو وَحْيٍ بَكَفّ.
    avatar
    سمل الولياب


    المساهمات : 141
    تاريخ التسجيل : 23/01/2010

    كتاب كَتَبَ لي أماناً من الدَّهر، وهنَّاني في أيام العمر.  Empty رد: كتاب كَتَبَ لي أماناً من الدَّهر، وهنَّاني في أيام العمر.

    مُساهمة  سمل الولياب الثلاثاء مايو 08, 2012 3:22 pm

    وصف الماء "
    ماء كالزُّجاج الأزرق، غدير كعين الشمس، مَوَارِد كالمَبَارِد،
    وماء كلسان الشمعة، في صفاءِ الدَمْعَة، يسبح في الرَّضْرَاض، سَبْحَ النضْناض،
    ماء أزرق كعين السِّنَّور، صاف كقضيب البلور، ماء إذا مسَّتْه يَدُ النسيم حكى سَلاَسِلَ الفضّة،
    ماء إذا صافحته رَاحة الريح، لبسَ الدِّرْع كالمسيح، كأنّ الغَدِيرَ بترابِ الماء رداء مُصندل،
    بركة كأنها مرآة السماء، بركة مَفْرُوزةٌ بالخضرة، كأنّها مِرآة مجلوّة، على ديباجة خضراء،
    بركة ماء كأنها مِرآةُ الصَّناعِ، غدير ترقرقت فيه دموعُ السحائب،
    وتواترَتْ عليه أنفاسُ الرياح الغرائب
    ماء زرق حِمامُه، طامية أرجاؤه، يَبُوحُ بأسْرَاره صفاؤه، وتلوحُ في قراره حَصْبَاؤه،
    ماء كأنما يفقده مَنْ يَشْهده، يتسَلْسَلُ كالزرافين، ويرضع أولاد الرَّياحين،
    انحلَّ عقدُ السماء، ووَهَى عقد الأنْوَاء، انحلَّ سلكُ القطر عن دُرِّ البَحْر،
    أسْعَد السحابُ جفونَ العُشَاق، وأكُفَّ الأجواد، وانحلَّ خَيْطُ السماء، وانقطع شِرْيَانُ الغَمامِ،
    سحابة يتجلَّى عليها ماءُ البحر، وتفضُ علينا عقودَ الدّر،
    سحابٌ حكى المحبَّ في انسكاب دموعِه، والتهاب النارِ بين ضُلُوعه،
    سحابة تحدو من الغيوم جمالاً، وتمدُّ من الأمطار حِبالاً،
    سحابة ترسلُ الأمطارَ أمواجاً، والأمواجَ أفواجاً، تحللت عقد السماء بالدِّيمة الهَطْلاء،
    غيث أجشُّ يروي الهِضَابَ والآكام، ويُحيي النبات والسَّوَام، غيث كغزارة فضلِكَ، وسلاسة طبعك، وسلامة عقدك، وصفاء وُدِّك، وَبْل كالنبل،
    سحابهٌ يضْحَكُ من بُكائها الرَوْض، وتَخْضَر من سَوَادها الأرض،
    سحابة لا تجف جفونُها ولا يَخفّ أنينها، ديمة رَوَّت أديمَ الثرى، ونبهت عيونَ النوْرِ من الْكَرى،
    سحابة ركبت أعْنَاق الرياح، وسَحَتْ كأَفْوَاه الجراح،
    مطر كأفْواه القِرَب، ووَحل إلى الركب، أنْدِية مَنَّ اللّه معها على البيوت بالثبُوت، وعلى السقوف بالوُقُوف، أقْبل السَّيلُ يَنْحَدِرُ انحداراً، ويحمل أحجاراً وأشجاراً، كأن به جِنة، أو في أحشائه أجِنَّة
    avatar
    سمل الولياب


    المساهمات : 141
    تاريخ التسجيل : 23/01/2010

    كتاب كَتَبَ لي أماناً من الدَّهر، وهنَّاني في أيام العمر.  Empty رد: كتاب كَتَبَ لي أماناً من الدَّهر، وهنَّاني في أيام العمر.

    مُساهمة  سمل الولياب الثلاثاء مايو 08, 2012 3:23 pm

    مقدمات المطر"
    لبست السماءُ جلبَابها، وسحبت السحائِبُ أذيالها،
    قد احتجبت الشمسُ في سُرَادق الغَيم،
    ولبس الجوُّ مُطْرَفَهُ الأدكَنَ، باحت الريحُ بأَسْرارِ النَّدَى،
    وضربت خيمَة الغمام، ورشّ جيش النسيم،
    وابتلّ جناحُ الهواء، واغرورقت مُقْلة السماء،
    وبَشَرَ النسيم بالندى، واستعدت الأرضُ للقطر،
    هبّت شمائل الجنائِب، لتأليف شمل السحائب.
    تألّفت أشتاتُ الغيوم، وأسبلت السُّتُور على النجوم.
    avatar
    سمل الولياب


    المساهمات : 141
    تاريخ التسجيل : 23/01/2010

    كتاب كَتَبَ لي أماناً من الدَّهر، وهنَّاني في أيام العمر.  Empty رد: كتاب كَتَبَ لي أماناً من الدَّهر، وهنَّاني في أيام العمر.

    مُساهمة  سمل الولياب الثلاثاء مايو 08, 2012 3:24 pm

    الرعد والبرق"
    قام خطيبُ الرَّعْدِ، ونبض عِرْق البَرْقِ،
    سحابة ارتجزت رَوَاعدها، وأذهبت ببروقها مطاردها،
    نطقَ لسانُ الرعد، وخفق قَلْبُ البرق،
    فالرعْدُ ذو صَخَبٍ، والبَرْقُ ذو لَهَبٍ، ابتسم البَرْقُ عن قهقهة الرعد،
    زأرت أسْد الرعد، ولمعت سيوف البَرْقِ، رعدت سيوفُ الغمائم،
    وبَرَقَتْ، وانحلّت عَزَاليُ السماء فطبقت، هَدَرت رَوَاعِدها، وقربت أبَاعدها، وصدقت مَوَاعدها،
    كأن البرق قلب مَشُوق، بين التهاب وخُفُوق
    avatar
    سمل الولياب


    المساهمات : 141
    تاريخ التسجيل : 23/01/2010

    كتاب كَتَبَ لي أماناً من الدَّهر، وهنَّاني في أيام العمر.  Empty رد: كتاب كَتَبَ لي أماناً من الدَّهر، وهنَّاني في أيام العمر.

    مُساهمة  سمل الولياب الثلاثاء مايو 08, 2012 3:24 pm

    صلى الله على كاشف الغمّة عن الأمّة.
    الناطق فيهم بالحكمة، الصادع بالحق، الداعي إلى الصدق،
    الذي ملك هَوَاديَ الهدى، ودلَّ على ما هو خيرٌ وأبقى
    صلى الله عليه بشير الرحمة والثواب، ونذير السطوة والعِقاب.
    صلى الله على أتمِّ بريّته خيراً وفضلاً، وأطيَبهم فرعاً وأصلاً، وأكرمهم عوداً ونجاراً،
    وأعلاهم منصباً وفخاراً، وعلى أهله الذين عظمهم توقيراً، وطهّرهم تطهيراً
    هم مقاليد السعادة ومفاتيحها، ومعارجُ البركةِ ومصابيحها.
    أعلام الإسلام وأيمان الإيمان. الطيبون الأخيار، الطاهرون الأبرار.
    الذين أذهب عنهم الأرجاس، وجعل مودتهم واجبةً على الناسِ.
    هم حَبْل الهدى وشجرة الإيمان، أصلها نبوَّة، وفرعها مروَّة، وأغصانها تنزيل،
    ورقاتُها تأويل، وخَدَمُهَا ميكال وجبريل.
    ولبديع الزمان إلى بعض الأشراف في درج كلام تقدَّم: إن جعلنا نَعُدُّ فخاركم، ونحُدُّ آثاركم،
    نفد الحصى قبل نفودِها، وفنِيت الخواطرُ، قبل أن تفنى المآثر،
    ولم لا؟ وإن ذُكِر الشرف فأنتم بنو بَجْدته، أو العلم فأنتم عاقدو إزرته.
    أو الدين فأنتم ساكنو بلدته، أو الجود فأنتم لابسو جلدته، أو التواضع صبرتم لشدَّته،
    أو الرأي صُلْتُم بحدّته، وإنَ بيتاً تولى الله عز وجلّ بناءه، ومهّدَ الرسولُ عليه السلام فناءه،
    وأقام الوصيُّ رضوان الله عليه عماَده،
    وخدم جبريلُ عليه السلام أهله،
    لحقيق أن يُصانَ عن مدح لسانٍ قصير
    avatar
    سمل الولياب


    المساهمات : 141
    تاريخ التسجيل : 23/01/2010

    كتاب كَتَبَ لي أماناً من الدَّهر، وهنَّاني في أيام العمر.  Empty رد: كتاب كَتَبَ لي أماناً من الدَّهر، وهنَّاني في أيام العمر.

    مُساهمة  سمل الولياب الثلاثاء مايو 08, 2012 3:25 pm

    الدنيا "

    عَنِ الْحَسَنِ ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ :
    أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الدُّنْيَا دَارُ ظَعْنٍ لَيْسَتْ بِدَارِ إِقَامَةٍ ، إِنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْهَا آدَمُ عُقُوبَةً فَاحْذَرْهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّ الزَّادَ مِنْهَا تَرْكُهَا وَالْغِنَى فِيهَا فَقْرُهَا ، لَهَا فِي كُلِّ حِينٍ قَتِيلٌ ، تُذِلُّ مَنْ أَعَزَّهَا وَتُفْقِرُ مَنْ جَمَعَهَا ،
    هِيَ كَالسُّمِّ يَأْكُلُهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَهُوَ حَتْفُهُ ، فَكُنْ فِيهَا كَالْمُدَاوِي لِجِرَاحَتِهِ ، يَحْتَمِي قَلِيلًا مَخَافَةَ مَا يَكْرَهُ طَوِيلًا ، وَيَصْبِرُ عَلَى شِدَّةِ الْأَذَى مَخَافَةَ طُولِ الْبَلَاءِ ، وَاحْذَرْ هَذِهِ الدَّارَ الْغَرَّارَةَ الَّتِي قَدْ زُيِّنَتْ بِخُدَعِهَا ، وَتَحَلَّتْ بِآمَالِهَا ، وَتَشَوَّقَتْ لِخُطَّابِهَا ، وَفَتَنَتْ بِغُرُورِهَا ، فَأَصْبَحَتْ كَالْعَرُوسِ الْمُحَلَّاةِ ، الْعُيُونُ إِلَيْهَا نَاظِرَةٌ ، وَالْقُلُوبُ إِلَيْهَا وَالِهَةٌ ، وَالنُّفُوسُ لَهَا عَاشِقَةٌ ، وَهِيَ لِأَزْوَاجِهَا كُلِّهِمْ قَاتِلَةٌ ، فَلَا الْبَاقِي بِالْمَاضِي مُعْتَبِرٌ ، وَلَا الْآخِرُ عَلَى الْأَوَّلِ مُزْدَجِرٌ ، وَلَا الْعَارِفُ بِاللَّهِ حِينَ أَخْبَرَهُ عَنْهَا مُدَّكِرٌ .
    فَعَاشِقٌ لَهَا قَدْ ظَفِرَ مِنْهَا بِحَاجَتِهِ وَاغْتَرَّ وَطَغَى وَنَسِيَ الْمَعَادَ ، شَغَلَ فِيهَا لُبَّهُ حَتَّى زَلَّتْ عَنْهُ قَدَمُهُ وَعَظُمَتْ نَدَامَتُهُ وَكَبُرَتْ حَسْرَتُهُ ، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ سَكَرَاتُ الْمَوْتِ بِأَلَمِهِ ، وَحَسَرَاتُ الْفَوْتِ بِغُصَّتِهِ ، فَذَهَبَ بِكَمَدِهِ ، فَلَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا مَا طَلَبَ ، وَلَمْ يُرَوِّحْ نَفْسَهُ مِنَ التَّعَبِ ، خَرَجَ بِغَيْرِ زَادٍ ، وَقَدِمَ عَلَى غَيْرِ مِهَادٍ ، فَاحْذَرْهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَكُنْ أَسَرَّ مَا تَكُونُ أَحْذَرَ مَا تَكُونُ لَهَا ، فَإِنَّ صَاحِبَ الدُّنْيَا كُلَّمَا اطْمَأَنَّ مِنْهَا إِلَى سُرُورٍ أَشْخَصَهُ إِلَى مَكْرُوهٍ ، فَالسَّارُّ فِيهَا بِأَهْلِهَا غَارٌّ ، وَالنَّافِعُ مِنْهَا غَدًا ضَارٌّ ، قَدْ وُصِلَ الرَّجَاءُ فِيهَا بِالْبَلَاءِ ، وَجُعِلَ الْبَقَاءُ فِيهَا إِلَى فَنَاءٍ ، فَسُرُورُهَا مَشُوبٌ بِالْحُزْنِ ، لَا يَرْجِعُ مِنْهَا مَا وَلَّى فَأَدْبَرَ ، وَلَا يُدْرَى مَا هُوَ آتٍ فَيُسْتَنْظَرُ ، أَمَانِيهَا كَاذِبَةٌ ، وَآمَالُهَا بَاطِلَةٌ ، وَصَفُوهَا كَدَرٌ وَعَيْشُهَا نَكَدٌ ، وَابْنُ آدَمَ مِنْهَا عَلَى خَطَرٍ ، إِنْ عَقَلَ فَهُوَ مِنَ النَّعْمَاءِ عَلَى حَظْرٍ وَمِنَ الْبَلَاءِ عَلَى حَذَرٍ ، وَلَوْ أَنَّ الْخَالِقَ لَمْ يُخْبِرْ عَنْهَا خَبَرًا ، وَلَمْ يَضْرِبْ لَهَا مَثَلًا لَكَانَتِ الدُّنْيَا قَدْ أَيْقَظَتِ النَّائِمَ ، وَنَبَّهَتِ الْغَافِلَ .
    فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ مِنَ اللَّهِ عَنْهَا زَاجِرٌ ، وَفِيهَا وَاعِظٌ ، مَا لَهَا عِنْدَ اللَّهِ قَدْرٌ وَلَا وَزْنٌ ، وَلَا نَظَرَ إِلَيْهَا مُنْذُ خَلَقَهَا ، وَلَقَدْ عُرِضَتْ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِهَا وَلَا يَنْقُصُهُ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا ، كَرِهَ أَنْ يُخَالِفَ عَلَى رَبِّهِ أَمْرَهُ أَوْ يُحِبَّ مَا أَبْغَضَ خَالِقُهُ أَوْ يَرْفَعَ مَا وَضَعَ مَلِيكُهُ ، فَزَوَاهَا عَنِ الصَّالِحِينَ اخْتِبَارًا ، وَبَسَطَهَا لِأَعْدَائِهِ اغْتِرَارًا ، فَيَظُنُّ الْمَغْرُورُ بِهَا الْقَادِرُ عَلَيْهَا أَنَّهُ أُكْرِمَ بِهَا ،
    وَنَسِيَ مَا صَنَعَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَضَعَ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ.
    avatar
    سمل الولياب


    المساهمات : 141
    تاريخ التسجيل : 23/01/2010

    كتاب كَتَبَ لي أماناً من الدَّهر، وهنَّاني في أيام العمر.  Empty رد: كتاب كَتَبَ لي أماناً من الدَّهر، وهنَّاني في أيام العمر.

    مُساهمة  سمل الولياب الثلاثاء مايو 08, 2012 3:26 pm

    المجالس "
    تنازع إبراهيمُ بن المهدي وابن بختيشوع الطبيبُ بين يدي أحمد بن أبي دُواد في مجلس الحكم في عقار بناحية السَواد، فأرْبَى عليه إبراهيمُ وأغْلَظَ له، فأحفظ ذلك ابنَ أبي دُوَاد، فقال: يا إبراهيم، إذا نازعتَ في مجلس الحكم بحضرتنا امرءاً فلا أعلمنَّ أنكَ رفعْتَ عليه صَوْتَاً، ولا أَشَرْتَ بيد، وليكن قَصْدُك أمَماً، وريحُك ساكنة، وكلامُك معتَدِلاً، مع وفاء مجالس الخليفة حقَوقها من التَّعْظيم، والتوقير، والاستكانة، والتوجّه إلى الواجب؛ فإن ذلك أَشْكَل بك، وأَشمَلُ لمذهبك في مَحْتدِك، وعظيم خَطرك، ولا تعجَلن، فرُبَّ عَجَلة تَهَبُ رَيْثاَ، واللهُ يعصمك من خَطَل القول والعمل، ويتَمّ نعمتَه عليك كما أتَّمها على أبويك من قبل، إن ربك حكيم عليم.
    فقال إبراهيم: أصْلَحك الله تعالى: أمَرْتَ بسَدَاد، وخضَضْتَ على رشاد؛ ولستُ عائداً لما يَثْلِمُ مُرُوءَتي عندك، ويُسْقطني من عينك، ويخرجني من مقدارِ الواجب إلى الاعتذار، فها أنا معتذر إليك من هذه البادرة اعتذارَ مُقِرّ بذنبه، معْتَرِف بجُرْمِه، ولا يزال الغضبُ يستفزني بمواده، فيردني مثلُكَ بحلمه، وتلك عادةُ اللّه عندك وعندنا منك؛ وقد جعلتُ حقي من هذا العقار لابن بختيشوع، فليتَ ذلك يكون وأفياً بأَرْش الجناية عليه؛ ولم يَتْلفْ مال أفادَ موعظةً؛ و " حسْبُنا اللَهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ " .
    لفا استوثق أَمْرُ أردشير بن بابك وجَمَعَ ملوكَ الطوائف، وتم له مُلْكه، جمع الناسَ فخطبهم خطبة حضّ فيها على الألفة والطاعة، وحذرهم المعصية ومفارقَة الجماعة، وصف الناسَ أربعة صفوف؛ فخزُوا له سُجَداً، وتكلَّم متكلِّمهم فقال: لا زلت أيها الملك محبوّاً من اللّه تعالى بعزّ النصر، ودَرَك الأمل، ودوام العافية، وتمام النّعمة، وحُسْن المزيد، ولا زلت تتَابَعُ لديك المكرمات، وتَشفع إليك الذمَامات حتى تبلغَ الغاية التي يِؤمَنُ زوالها، وتصل إلى دار القرار التي أعدَها الله تعالى لنظرائك من أهْل الزّلفَى عنده والمكانة منه، ولا زال ملكك وسلطانك باقيين بقاءَ الشمسِ والقمر، زائِدَيْن زيادة النجوم والأنْهَار، حتى تستوي أقْطَارُ الأرض كلّها في علو قَدْرِك عليها، ونفاذِ أمْرِك فيها، فقد أشْرَقَ علينا من ضياء نورك ما عمنا عمومَ ضياء الصبح، ووصل إلينا من عظيم رأفتك ما اتصل بأَنفُسِنا اتصال النسيم؛ فأصبحت قد جمع اللهُ بك الأيدي بعد افتراقها، وأَلف القلوبَ بعد توقد نيرانها، ففضلُكَ الذي لا يُدْركُ بوصف، ولا يُحدُ بنَعْت.
    فقال أردشير: طوبَى للممدوح إذا كان للمدح مستَحِقاً، وللداعي إذا كان للإجابة أهلاً.
    وقيل لأردشير: أيها الملك الرفيع الذي حَلَب العصور، وجرّب الدهور، أي الكنوزِ أعْظمُ قدراً؟ قال: العلم الذي خفّ محمله، فثقُلَتْ مفارقته، وكَثُرَتْ مرافقته، وخَفيَ مكانه، فأُمنَ من السَّرَقِ عليه؛ فهو في الملأ جَمَال، وفي الوَحدَة أنيس، يرأسُ به الْخَسيس، ولا يمكن حاسدك عليه انتقاله عنك. قيل له: فالمال؟ قال: ليس كذلك. مَحمْلُه ثقِيل، والهمُّ به طَويل؛ إن كنت في مَلأ شغلك الفِكْرُ فيه، وإن كنت في خَلْوَة أتعبتك حراسته

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 12:25 am